ماذا قدمت حتى تستحق ؟



 مرحباً يا اصدقاء ، انني هنا من جديد  بعد انقطاع لا مُبرر له او لربما هناك الف مبرر ، وقد يكون ابسطها واعمقها انني قد اصبت بعجز في ترجمة مابداخلي ، وكأن برنامج تحويل المشاعر لكلمات قد اعلن توقفه المفاجئ اثر اصابته بجهدً عالي يفوق قدرته على الترجمة فترك مقعدة و هرع مهرولاً بأقصى سرعته حتى توارى عن الانظار و هكذا بقيت من خلفه انظر في فراغ لا نهاية له . 

مالذي حل بي ؟ 

الاجابة الاكثر دقة هيا " الكثير الكثير " واقصد بذلك الجانبين الايجابي والسلبي ، في هذه السنتين اراد الله لي ان تقر عيني بـ أمنيات كثيرة لطالماً كنت اكتبها في قائمة امنياتي في بداية كل سنة ميلادية وايضاً هجرية

 ( أجل ايها الاصدقاء ، لا اعلم لماذا ولكنني احب دائماً ان اضع خطط في بداية السنة الميلادية و ايضاً الهجرية ، لربما كان المعنى والمغزى أن يكون هناك مخرج طوارئ او مايدعي الخطة "ب" نستند إليها عندما تخذلنا الخطة " أ " ) على العموم لنعد لما بدأنا به ، اجل يا اصدقاء لقد حققت بحمد من الله اهدافناً كثيراً و الاجمل من هذا كله تلك الامنيات التي كنت اراها بعيدة و مستحيلة لكنني ادركت الان ان لاشي في هذه الارض مستحيل على الله ولكن يبقى السؤال ماذا قدمت حتى تستحق ؟ 

اتذكر جيداً انني في بداية عام ٢٠٢٢ ،عندما اعتزلت من حولي لساعات بسيطة اردت بها ان ارتب نفسي من الداخل قبل ان ارتب اهدافي ، وما ان امسكت الورقة حتى شرعت كما في كل مرة بكتابة وابل من الامنيات والاهداف والرغبات من ابسطها حتى اعظمها ، ومن المعنوية وحتى نصل للمادية ، جميعها حصرتها في بضعة اوراق و حشرتها في عدة اسطر وكأنني ارتبها فوق بعضها في حقيبة سفر حتى ارسلها دون اي اعتبار لمساحتها ولا لحجمها ، فقط اردتها ان تسافر وتأتي دون نقصان وكنت وانا ارتبها واضعها فوق بعضها وأحشوها دون انسانية في وضع مسافة بين بعضها لبعض او على الاقل احترام خصوصيتها كنت بداخلي اعدها انها ما ان تصل حتى ادللها واضع كلاً منها في مكان مريح تستطيع فيه ان تنسى وعثاء السفر ، ولكن ماحدث لاحقاً لم يكن كذلك . 

انتهيت بعد عدة دقائق ولربما تلك الدقائق لو جمعتها في حقيبة الزمن كما فعلت مع الامنيات والاهداف لربما اغلقت الساعة او الساعتين ولكن لتخفيف وطأة الصدمة عليها ادعوها بعدة دقائق حتى لا اشعر بثقل المسؤولية في انني اخذت منهم اكثر من اللازم .

اغلقت القلم واخذت اتنفس تنفس الصعداء كمن كان يجري في مارثون بأقصى سرعته وما ان وصل حتى ايقن ان لاسباق ولا متسابقين هو فقط من كان يركض في هذا الظلام وحده ، نظرت وكأنني اهدي من روعي بعد كل تلك الدقائق في الكتابة والعصف العاطفي قبل الذهني لاستحضار جميع امنياتي حتى تلك التي بقيت منذ الطفولة لم اكن استطيع ان اتجاهلها فحملتها معي في كل سنة اكبر فيها وكأنني بذلك اقدم معروفاً اسدد به معروفاً قديماً بقي من طفولتي . 

بنظرة حيرة او ارتباك لا اعلم حقيقة تلك النظرة ولكن ما اتذكره جيداً ذلك التساؤل الذي تسلل داخلي وكأنه لص دخل خفية في الظلام كي يسرق ما جمعت من امنيات واهداف ، كان مفاده

 " ماذا قدمت كي تستحقي كل ذلك ؟" 

بقي يعاد ويعاد في داخلي حتى شعرت بأن العالم اجمع يصرخون في نفس اللحظة بنفس هذا السؤال ، شعرة برعشة خوف تملكت جسدي ، وكأنني في ساحة الاعدام وان لم يقدم احدهم كلمة السماح فأن القصاص سيتم ، ولكنني هنا كنت انا جميعهم ، اجل قد كنت احاكم نفسي بصرامة غير مبرره وفي الوقت نفسه انتظر كلمة العفو التي قد تصدر مني لي لتعفو عني من اتمام القصاص ، ولكن ماذا كانت الجريمة التي صدر بحقها ذلك الحكم ! 

على الاغلب لا قضية هنا . 

اغلقت الدفتر تلك الليله وشعرت بأنني قد اغلقت نافذة تأتي منها عاصفة قوية تكاد تفسد كل ما بالداخل ، وهرعت مهرولة للفراش وهذا ما اعتدت ان افعله دائما ، ان اكتب ثم اهرع بكل ما املك من قوة للفراش لكي اختبئ و لانني وللاسف اكون بعد الكتابة كمريض استلقى تحت جهاز اشعة أكس يستطيع الجميع رؤية ما يخفية من عظام بداخل جسدة ولكن الفرق هنا انه بإمكان اي احد يراني في تلك اللحظة ان يرى مشاعري ويرى عزيزه وهي في اضعف حالاتها . 

 لأنه حينها سيراني وقد تعريت من كل تلك الجدران والحصون التي كنت ولازلت اضعها بين مشاعري وبين العالم اجمع وهذا وحده هو ماجعلني منذ كنت في الصف السادس وانا اكتب في مذكراتي بشكل مستمر عبر كل تلك السنين .  

لم تنتهي الليله بالهرب انما في حقيقة الامر كانت قد بدأت

 ضللت اقلب السؤال يميناً ويساراً ، و يالها من خصلة ورثتها من جدي وهي انني ما ان اشغل فكري بشي حتى ابقى ساهرة كل الليل دون ان تغفو عيني ابداً ، تارة اجيب وتارة احتج على اجابتي ، الم اقل لكم من قبل بأنني انا الضحية والحاكم في الان ذاته ، وهكذا امضيت ليلتي ، ولكن مايهم هنا حقاً هل بعد هذه الليله توصلتي لجواب ؟ 

الحقيقة التي لم اتمنى انها كانت حقيقة هي انني لم اصل لاي اجابة . 

وبدات يومي ككل يوم اركض في هذه الدنيا انجز ما استطيع انجازه واعمل مايطلب مني على اتم وجه تارة دون نقصان وتارة ببعض النقصان وبعض الوقت كنت استسلم لرغبتي في الانسحاب وتأمل السحب وهي تمضي وكأن لاشي يعنيني في هذه الارض سواء مطالعة السماء . 

مرت الايام وبدات أشعر بغرابة تجتاح تفكيري ومشاعري وحتى تأملاتي ، للحظة صعقت من هول الشعور وايضاً عندما اصبحت ابحث في كل شيء عن سبب لهذا الذي يحدث بداخلي فليس من المعقول ان يحدث كل هذا دون اي سبب !

 وفجأة شعرت بأن صدى ذلك السؤال يعاد من جديد ، لحظتها فقط ادركت بأنني لم اجد جواباً شافياً تلك الليله ولكن يبدو بأن السؤال قد اختبئ بداخلي دون أن أشعر بذلك و اخذ يتسلل بكل هدوء وبراعة من خلية لخلية ليخبرها عن قصته ويدافع عن نفسه امامها حتى اقنع بعضها فطاوعته واخذت تسانده في عمله حتى اصبحت اشعر بهم وبمخططاتهم التي لم استطع ان اصنفها تحت اي بند ، هل هي مخططات معاديه او مخططات تصب في مصلحتي ولكنني اجزمت في اخر لحظة بأنها تصب في صالحي وحقيقة الامر انني لاحقاً تسائلت هل كان ذلك حقاً هو الحقيقه ام انه تاثير تلك الحرب الداخليه حيث انها استطاعت ان تاخذ بضع من خلايا عقلي لصفها وتجعلها تعمل لصالحها ، ولكنني بالاخير استسلمت وقررت بأنني سأجرب فـ لا مانع من ذلك ؟ 


أخذت تلك الاوراق التي قد كتبت بها امنياتي واهدافي قبل ايام طويلة او لربما ايضاً انني شعرت بأنها طويلة لا أعلم حقاً ذلك، واخذت اقرأها واحدة تلو الاخرى حتى انهيتها ثم توقفت و تأملتها و من ثم عدت من جديد لأعلى القائمة و بدأت بقراءة اول امنية كتبتها ، ثم تسائلت

 " ماذا قدمت حتى استحق أن تقر عيني بها؟"

 وبقيت تلك الليله ايضاً ساهرهً في مطالعة تلك الاوراق و كنت اقرأ احدها تلو الاخر واتوقف بعد كل واحد منها واسأل نفس السؤال . 

لم يكن هلع التساؤل يجتاحني بالدرجة نفسها في كل امنية او هدف بل كانت يختلف باختلاف ماقد كتبت في ذلك السطر ، وهكذا مضى الليل و انقضى و بدأت ملامح الصباح تظهر باستحياء وكأنها تخجل وتنتظر أن نلتفت لها ونرحب بها حتى تظهر بكل تباهي . 

ولكن ذلك الصباح لم تشرق الشمس في الخارج فقط ولكنها كانت تشرق بداخلي ايضاً وكأن ماقمت به كل تلك الليله اتى بثماره بشكل سريع جداً .

 اختلفت كل مشاعري تلك الليله ، ولربما استطيع ان اترجمها لكم لاحقاً في كلمات عندما استطيع ان ابرع في ذلك ولكنني اصبحت منذ تلك اللحظة وانا افعل الشيئ واقول بداخلي "هاقد قدمت لكي استحق " و لربما اصبحت اعمد لفعل الاكثر والاكثر بكل حُب وامتنان وانا اهمس بداخلي " يالله ها أنا اقدم لكي استحق" 

ويا له من رب كريم ، كيف يعطيك حتى يخجلك ، فتصبح تائهاً في بحراً من النعم وتنظر إليها بتسائل اخر مفاده

" يارب ، كم عمراً سأحتاج كي استطيع شكرك فيه على كل هذا ! "

0 Comments