منذ ما يقارب الاربع وعشرون ساعه وانا احارب كل تلك المشاعر ، كل تلك الساعات وانا اخفي الحزن خلف زيف كبير من الضحكات خشيت ان يلمحها احدهم ، ظللت اهرب من اي لقاء ومن اي حديث ، شعرت بأنني سأهزم هزيمة عظيمة وستكون خسارتي فادحه .
منذ اربع وعشرون ساعة مضت لم استطع ان اترجم مشاعري في عدة كلمات لا اعلم مالذي كنت اخشاه ، ولا اعلم لماذا كنت اهرب من ان اتحدث إلى صديق ، كنت اهرب من كل مايمكن ان يساعدني على التحدث ، ولكنه الليل ، وحده الليل يهيض كل تلك المشاعر الدفينه والمشاعر التي حاربنا كثيراً من اجل اخفائها ، منذ يبدأ الليل تبدأ في الظهور شيئاً فشيء ، لا تذهب ولا يخف اثرها تدريجياً بل انها على العكس تماماً ، تكبر اكثر فأكثر ..
وحده الموت يهشم القلب ، وحده الاشتياق لميت هو من يرميك في متاهة فلا تعود لصوابك ابداً ، اشتاق إلييييييه كثيراً ، كل ليله تمر بي اشتاق اكثر ، اشعر بأنني افتقد للفرح والبهجه التي كنت اتمتع بها منذ قبل ، حاولت كثيراً ان اتخذ خطوات جاده في سبيل التعافي ولكن لا امل في الشفاء !
فَكيف بنا بأن نحي من كان ميتاً؟
اشعر بأنني أنا من مُت وجدي من دفن ، أيعقل بأن يعيش الانسان ويشعر بأن كل شي بداخله وخارجه ميت ؟
يشعر وكأنه دمية لا روح فيها ولا حياة ، هكذا ما أشعر به أنا .
منذ اربع وعشرون ساعة مضت وانا غارقة في فيضان من الاشتياق ، اريد لوهلة واحدة فقط ان اراه ، ان ارتمي بحضنه ، ان اقبل كفيه كما كنت افعل من قبل ، ان اخبره بكل ما حصل ويحصل معي .
واعظم شيء اريده حقاً من جدي ان اشعر بالأمان ، فمنذ ان غاب وانا اشعر ان الامان قد ذهب معه ، اصبح الخوف من فقد عائلتي يداهمني في كل لحظة ، وبالوقت ذاته اصبحت اتجنب الاصحاب والاحباب ، اخشى ان اعيش لحظة سعيدة بصحبتهم فيسرقهم الموت بعدها واعود في هذه المتاهة من جديد .
دائماً الحروف بكل اللغات لاتسعفنا للافصاح عما يجول بَخاطرنا ، فمهما كان الانسان بارعاً في الكتابة وانتقاء الكلمات الا ان هناك ثغرة كبيرة عندما يتعلق الامر في ترجمة المشاعر العميقة الى كلمات ، لا الكلمات تسعفنا ولا دموعنا ولا حتى صرخات الوجع ، لا شي هنا يخفف وطأة هذا الفقد .
منذ سنة وثمانية اشهر وانا اختبئ في سريري كل ليلة و ابكيه ، يهزمني شوقي إليه ، ولكن لم تكن كل تلك الدموع في كل تلك الليالي تخفف عن مابداخلي ، لا شي هنا في هذا العالم استطاع ان يطمئن قلبي .
كان ملاذي الوحيد هو القران ، لا شيء غير القران اهرب إليه ، لا شيء يشعرني بالسكينه غيره ، اظل اقرأه علني استطيع ان اتنفس قليلاً ، ولا اقصد هنا التنفس الذي عهدناه ، انما تنفس المشاعر ، فعندما يقتحم الحزن صدرك تشعر بأنه لايمكن التنفس ، ولو استنشقت كل مايحمله هذا العالم من اكسجين ، تبقى طريحاً بين الموت والموت ، فالحياة قد فقدت منذ عام وثمانية اشهر.
منذ اربع وعشرون ساعه وانا احارب وحدي كل تلك المشاعر ، وكل ذلك الحنين ، الحقيقه في هذا الفيضان الذي زلزل قلبي هو مايدعى بالفلاش باك لبرنامج السناب ، والذي اظهر لي فيديوهات كنت قد التقطتها منذ ما يقارب العامين ، يالروعتها !
كنا نتشارك الحديث ، بل اننا كنا في رغد من العيش ، كنا نضحك جميعاً ، حقاً كانت اياماً هنيئة .
منذ عام وبضعة اشهر غيرت جهازي المحمول ، ولأول مرة في حياتي لم أجرؤ على نقل وابل الصور والفيديوهات التي في هاتفي القديم لهاتفي الجديد ، كنت اعلم انني لن استطيع النظر إليها ، بقيت اتجنب النظر إليها دائماً ، حتى انني بقصد اغلقت هاتفي وكنت اتجنب فتحه مهما دعت الاسباب ، فلا سبب اكثر ايلام من ان اقلب في صوره او ان انظر لكل تلك المقاطع التي كنا مع بعضنا لبعض ، حينما كنا حقاً نحيا .
الان انا هنا اعيش ولكنني افتقد الحياة ، الحياة التي تعني ان تستشعر الفرح وتلتمس المشاعر والمسرات في كل ماحولك ، ليس كفراً بالنعمه ولا انكاراً لنعم الله ، لا والله ليس كل ذلك والله وحده يعلم انني ما كنت كذلك ولا اسعى لذلك ، الله وحده يعلم كم من المعارك التي اخوضها في اليوم والليله كي اعيش ، اجل لانني حاولت بكل ما وهبني الله من قوة بأن احيا كما كنت من قبل ولكنني فشلت .
من يعرفني جيداً يعرف انني منذ الصغر وانا لا اختار الا الفرح ، لم اكن لاي سبب من الاسباب افصح عن حزني ، كنت دائماً اخبئ حزني بين اوراق مذكراتي وحدها مذكراتي تعلم حزني ولربما عائلتي في قليل من الاوقات .
لست من تلك الفتيات الاتي يبكين على اكتاف الاخرين والحق يقال بأنني دائماً كنت اغبطهم على ذلك ، كنت اتمنى لو انني امتلك تلك القدرة في ان ابكي على كتف احدهم ، ولكن هناك شيء يمنعني من فعل ذلك .
واما الان وبعد عام وثمانية اشهر اصبحت لا اعرفني ، لم اعد عزيزة التي كانت منذ مايسبق العام والثمانية اشهر ، اشعر وكانني كنت اقف هناك في وسط قلعة عملاقة ، وذات صباح شعرت بثقل يحيط جسدي فتحت عيني لارى بأن تلك القلعة قد هدمت تماماً ، والمتهم في ذلك الموت ، وحده الموت من هدم القلعة ، لم يلحظ احدهم انني هناك تحت انقاض هذه القلعه ، لم اصرخ ابداً ولم ابكي ايضاً ، بقيت هناك فلم يعلم احد بوجودي ، كانت حرارة الشمس تحرقني في الصباح وما ان يأتي المساء حتى يفتك بي البرد ، يجمد الدم في عروقي .
هناك بقيت الطفلة تحت انقاض القلعة لا احد يعلم بوجودها ولم يهرع احدهم في انقاذها ، لم يكن هناك امان ولا مسكن ، لم يعد لتلك الطفلة قلعة تختبئ بداخلها ، وان كانت هناك قلعة اخرى هل يا ترى ستسطيع تلك الطفله ان تختبئ بداخلها ! الن يتملكها الخوف من ان تهدم ايضاً فوقها من جديد !
بَمناسبة ذكر قصة القلعة والطفله ، فالواجب هنا ان احدثكم عن هذا الامر منذ بدايته .
البداية ان طفلة كانت تعيش على غيمة في السماء هناك عالياً ، لم تنزل للأرض ابداً ولم تحلم بذلك حتى ، كانت بين الغيوم سعيدة ، وكأن خفة الغيوم وبياضها قد عكس ذاك عليها .
وذات يوم من ايام نوفمبر ، دعا جدها الله ان يغيثه بَالمطر ، سمعت عزيزه صوت جدها لأول مرة في تلك اللحظة ، كانت دعوة جدها صادقة حتى انها احدثت ما احدثت في تلك السماء ، وبَأمر من ربها اخذت الغيوم جميعاً تنهمر ، وكأنها كانت تتسابق كي تجيب نداء ذلك الشيخ الكبير ، حملتني احد قطرات المطر بداخلها ، وقعت ولكنني لم اقع على الأرض ابداً كما كان يحدث لكل تلك القطرات ، انما سقطت داخل قلب جدي ومنذ ذلك الوقت وانا هناك .
اراد جدي كما يريد كل اب ان يبهج قلب طفلته ، فصنع لي قلعة كبيرة لم يكن لها مثيل ابداً في هذه الأرض ولم يكن لها شبية ايضاً بين تلك الغيوم التي كنت اعيش فيها ، جلب في هذه القلعه من كل مايمكن ان يبهج قلب طفله وان يدعها تنعم بالبهجة والسلام ، لم تكن تعرف معنى للحزن ولا الخوف ، انما الحب وحده الحب ما كانت تشعر به ، هكذا كانت تعيش الطفله لم تشعر يوماً بشيء غير السعاده ، كانت دائماً تشعر بأن الله لا يحب احد سواها ، فلو كان كذلك كان ارسله بدلاً عنها ليسكن قلب جدها .
وهكذا عاشت عزيزه حياتها في قلب جدها ، وحده قلب جدها كان يكفيها عن كل هذا العالم ، لم تطمع في ان تسكن قلباً غيره .
إلى ان جاء ذلك الصباح ، الذي لم يكن كغيره ، عندما شعرت عزيزه بأن ثقل العالم كله يجثو فوقها ، لم تشعر في كل حياتها بَمثل هذا الثقل ابداً ، لم تعلم سبب ذلك حاولت جاهدة ان تفتح عينها علها تعرف السبب وليتها لم تفعل ذلك !
ما ان فتحت عينيها حتى رأت انقاض القلعه فوقها ، وهناك في الاعلى يقف الموت وبيديه روح جدها ، وكأنه يخبرها انه قد سرقها ، عله لم يعلم بأن سرقت تلك الروح تعني أن تهدم القلعة في لحظتها ، لعل الموت لم يكن يدرك كم من الاذى الذي خلفه بعده ، لعله ايضاً لم يعلم ان هناك طفلة تسكن بَداخل القلعة ، لربما لو علم الموت بذلك كان سيبقي لتلك الطفلة جدها او لربما كان اخذها مع جدها ، ولكنه قد فعلها .
كان قد اخذ روح جدي بعيدا عني ، وبقيت منذ تلك اللحظة وانا انظر للسماء ، اقاسي حرارة الشمس نهاراً و برودة و وحشة الليل مساءً ، هكذا بدأت حياة عزيزه وهكذا اصبحت ..
لم يكن احد ليعيش كما عاشت ولن سيستطيع احدهم ان يعيد لها قلعتها التي هدمت ، وحتى لو فعل احدهم ذلك ، فمن ذا سيستطيع ان يعيد لها جدها !